أوضحت نتائج دراسة استقصائية، أجراها المكتب الإقليمي التابع لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية، عام 2021، أن ما يقرب من نصف مُستخدِمات الإنترنت في الدول العربية (49 في المئة منهن) أبلغن عن عدم شعورهن بالأمان عبر الإنترنت، الذي كان الأكثر ارتفاعاً بين الناشطات والمُدافعات عن حقوق الإنسان، بنسبة 70 في المئة، في حين وصلت نسبة من أبلغن منهن عن تلقي رسائل مُهينة أو مفعمة بالكراهية إلى 62 في المئة.
وفي بيان سابق، قال زيد رعد الحسين، مفوض الأمم المتحدة السامي السابق لحقوق الإنسان: "إن وسائل الإعلام الرقمية فتحت الباب أمام أشكال جديدة من القمع والعنف؛ خاصة بالنسبة للمدافعات عن حقوق الإنسان والناشطات، هذه الأشكال الجديدة من المضايقات والترهيب والتشهير متكررة بشكل صادم، ومرعبة في كثير من الأحيان وغالباً ما تمتد إلى أرض الواقع، فتُستخدم التهديدات بالعنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس، وحملات التشهير والتضليل عبر الإنترنت -التي غالباً ما تكون ذات طبيعة جنسية، تتضمن العناوين الحقيقية للضحية- لترهيب النساء اللاتي يتحدثن علناً".
ويرى المفوض السامي لشؤون الأمم المتحدة أن الحملات عبر الإنترنت ضد المدافعات عن حقوق الإنسان تهدف إلى الإضرار بمصداقيتهن، وتقليل أو طمس قوة تأثير أصواتهن، وتقييد المساحة المحدودة المتاحة لهن لإحداث أيّ فارق على الأرض.
عنف قائم على الجنس
أكدت رنيم العفيفي، الصحفية النسوية والمدربة في الصحافة الحساسة للنوع الاجتماعي، أن العنف الرقمي ذا البعد الجندري هو امتداد للعنف القائم على النوع الاجتماعي، الذي تتعرض له النساء في الواقع بشكل يومي، وهو لا يقل خطورة عنه، بل يُعدّ مماثلاً له.
وتُضيف العفيفي: "بالتالي فإن العنف الرقمي يزداد في حالة وجود تقاطعات أخرى، بجانب الجنس والنوع، لذلك فإن الناشطات النسويات، والنساء المنخرطات بالسياسة، والصحفيات اللاتي يمتلكن أيديولوجية نسوية؛ يتضاعف العنف ضدهن، وقد يصبح مركّباً ويتخذ شكلاً عدائياً؛ لأن المعتدي يعتقد أن النساء اللاتي يمتلكن مساحات أكبر للتعبير عن آرائهن، قد يمثلن تهديداً حقيقياً لما يتصور أنه قيم وثوابت، لذلك تكون هناك عدائية شديدة في طرق الملاحقة والتهديد عبر الإنترنت".
وترى رنيم العفيفي، الصحفية النسوية، أن مشكلة العنف الرقمي تتمثل في عدم وجود محددات مكانية تمنع وقوعه، على عكس العنف الواقعي؛ فأصبح من السهل أن يلاحق الضحيةَ شخصٌ تفصل بينهما أميال.
ووفقاً لاستطلاع رأي لجأت إليه معدة التقرير، لرصد العنف الرقمي المسلط على الناشطات النسويات والمدافعات عن حقوق الإنسان؛ استهدف 20 ناشطة مصرية، عبر تطبيقي فيسبوك وواتساب؛ تبيّن أن جميعهن تعرضن لواقعة عنف رقمي مرة واحدة على الأقل. وتعرضت 90 في المئة من العينة للتحرش عبر الإنترنت، في حين تعرضت 50 في المئة منهن للتنمر. كما أبلغت 25 في المئة منهن عن تعرضهن لابتزاز إلكتروني.
القانون وحداثة الجرائم الرقمية
على أحد مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة، فوجئت انتصار السعيد، المحامية والناشطة النسوية، بمنشور يتضمن إساءة وتشهيراً بها، بالإضافة إلى تضمينه مغزى جنسياً أيضاً. على الفور، قررت السعيد اتخاذ إجراء قانوني ضد كاتب المنشور، وعدم الاشتباك بالرد عليه عبر الإنترنت.
أُحيلت القضية إلى المحكمة الاقتصادية، بتهم السب والقذف والتشهير؛ بالإضافة إلى تهمة التحرش الجنسي. لكن بعد مرور سنة، أصدرت المحكمة قرارها ببراءة المتهم، وفقاً للسعيد.
تنص المادة 25 من القانون رقم 175 لسنة 2018، الخاص بمكافحة جرائم تقنية المعلومات، على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، معلومات أو أخباراً أو صوراً وما في حكمها، تنتهك خصوصية أيّ شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة".
تعتقد عزيزة الطويل، المحامية بـ "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، أنه بالرغم من تصدي قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات لجرائم مثل التشهير وانتهاك الخصوصية والابتزاز بصوره، سواء بالسجن أو الغرامة؛ إلا أن القانون لم يكن أكثر استيعاباً لحداثة الجرائم الرقمية.
وتوضح الطويل أن هناك بعض الجرائم قد تستمر لبضع ساعات فقط، كأن يقوم شخص بنشر قصة (ستوري)، لكن قد تستغرق الإجراءات في هذه القضايا -سريعة الاختفاء- عاماً أو أكثر، كذلك الجرائم التي تُرتكب على بعض قنوات تليغرام، قد تنتهي القضية بتعذر الوصول إلى صاحب القناة.
في عام 2013، وعلى خلفية واقعة الابتزاز، أقامت غدير دعوى قضائية، وعلى الرغم من نجاحها بعد أن أدانت المحكمة صديقها السابق بتهمة التشهير؛ قررت غدير -فيما بعد- عدم اتخاذ إجراءات قانونية ضد وقائع العنف الرقمي؛ كونها ناشطة.